قال أبو الجلد : أوحى الله تعالى إلى نبي من الأنبياء : قل لقومك : ما بالكم تسترون الذنوب من خلقي ، وتظهرونها لي ؛ إن كنتم ترون أني لا أراكم ، فأنتم مشركون بي ، وإن كنتم ترون أني أراكم فلم جعلتموني أهون الناظرين إليكم ؟
وكان وهيب بن الورد يقول : خف الله على قدر قدرته عليك ، واستحي منه على قدر قربه منك ، وقال له رجل : عظني ، فقال له : اتق الله أن يكون أهون الناظرين إليك .
وكان بعض السلف يقول : أتراك ترحم من لم تقر عينيه بمعصيتك حتى علم أن لا عين تراه غيرك ؟
وقال بعضهم : ابن آدم إن كنت حيث ركبت المعصية لم تصف لك من عين ناظرة إليك ، فلما خلوت بالله وحده صفت لك معصيته ، ولم تستحي منه حياءك من بعض خلقه ، ما أنت إلا أحد رجلين : إن كنت ظننت أنه لا يراك ، فقد كفرت ، وإن كنت علمت أنه يراك فلم يمنعك منه ما منعك من أضعف خلقه لقد اجترأت عليه .
دخل بعضهم غيضة ذات شجر ، فقال : لو خلوت هاهنا بمعصية من كان يراني ؟ فسمع هاتفا بصوت ملأ الغيضة ) : ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير (الملك : 14
راود بعضهم أعرابية ، وقال لها : ما يرانا إلا الكواكب ، قالت : أين مكوكبها ؟ .
رأى محمد بن المنكدر رجلا واقفا مع امرأة يكلمها فقال : إن الله يراكما سترنا الله وإياكما .
وقال الحارث المحاسبي : المراقبة علم القلب بقرب الرب .
وسئل الجنيد بم يستعان على غض البصر ، قال بعلمك أن نظر الله إليك أسبق من نظرك إلى ما تنظره . وكان الإمام أحمد ينشد :
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما يخفى عليه يغيب
وكان ابن السماك ينشد:
يا مدمن الذنب أما تستحيي والله في الخلوة ثانيكا
غرك من ربك إمهاله وستره طول مساويكا
وقال أبو الدرداء : ليتق أحدكم أن تلعنه قلوب المؤمنين وهو لا يشعر ، يخلو بمعاصي الله ، فيلقي الله له البغض في قلوب المؤمنين . وقال سليمان التيمي : إن الرجل ليصيب الذنب في السر فيصبح وعليه مذلته .
فالسعيد من أصلح ما بينه وبين الله ، فإنه من أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الخلق ، ومن التمس محامد الناس بسخط الله ، عاد حامده من الناس ذاما له .
قال أبو سليمان : إن الخاسر من أبدى للناس صالح عمله ، وبارز بالقبيح من هو أقرب إليه من حبل الوريد .
ومن أعجب ما روي في هذا ما روي عن أبي جعفر السائح قال : كان حبيب أبو محمد تاجرا يكري الدراهم ، فمر ذات يوم ، فإذا هو بصبيان يلعبون ، فقال بعضهم لبعض : قد جاء آكل الربا ، فنكس رأسه ، وقال : يا رب ، أفشيت سري إلى الصبيان ، فرجع فجمع ماله كله ، وقال : يا رب إني أسير ، وإني قد اشتريت نفسي منك بهذا المال فأعتقني ، فلما أصبح تصدق بالمال كله وأخذ في العبادة ، ثم مر ذات يوم بأولئك الصبيان ، فلما رأوه قال بعضهم لبعض : اسكتوا فقد جاء حبيب العابد ، فبكى وقال : يا رب أنت تذم مرة وتحمد مرة ، وكله من عند